عبد القدير عبد الغفور خان .. أبو القنبلة النووية الباكستانية
ولد عبد القدير عبد الغفور خان يوم 1 أبريل/نيسان 1936 في مدينة بهوبال في الهند عام 1936 أثناء فترة الاحتلال البريطاني وقبل انفصال باكستان بعد تقسيم الهند. لا يصغره سوى أخت واحدة من بين خمسة من الإخوة واثنتين من الأخوات. كان والده عبد الغفور خان مدرسًا تقاعد عام 1935، لذا نشأ الابن عبد القدير تحت جناح أبيه المتفرغ لتربيته ورعايته.
كانت زليخة بيجوم والدة خان سيدة تقية تلتزم بالصلوات الخمس ومتقنة للغة الأردية والفارسية، لذلك نشأ الدكتور عبد القدير خان متدينًا ملتزمًا بصلواته.
تخرج من مدرسة الحامدية الثانوية بمسقط رأسه وسط الهند ثم هاجر إلى باكستان في عام 1952 بحثا عن حياة أفضل. توفي والده في بوبال عام 1957، حيث أنه لم يهاجر مع أبنائه إلى باكستان.
تخرج من كلية دیارام جيته للعلوم بجامعة كراتشي عام 1960، وعمل في وظيفة مفتش للأوزان والقياسات، وهي وظيفة حكومية من الدرجة الثانية، إلا أنه استقال منها بعد ذلك.
أكمل تعليمه العالي في بعض الجامعات الأوروبية، وخاصة في ألمانيا وهولندا وبلجيكا أواسط الستينيات من القرن العشرين، إذ قضى بجامعة برلين التقنية سنتين من التدريب، ونال درجة الماجستير من جامعة دلفت التكنولوجية بهولندا عام 1967، ثم الدكتوراه في الهندسة من الجامعة الكاثوليكية في "لوفين" البلجيكية عام 1972.
لم يكن ترك الدكتور عبد القدير خان لألمانيا وسفره إلى هولندا سعيًا وراء العلم. بل كان بسبب رغبته الزواج بالآنسة هني الهولندية -ذات الأصل الأفريقي- التي قابلها بمحض الصدفة في ألمانيا. وبالفعل تمت مراسم الزواج في أوائل الستينيات بالسفارة الباكستانية بهولندا.
حاول الدكتور عبد القدير مرارًا الرجوع إلى باكستان ولكن دون جدوى. حيث تقدم لوظيفة بمصانع الحديد في كراتشي بعد نيله درجة الماجستير، ولكن رفض طلبه بسبب قلة خبرته العملية، وبسبب ذلك الرفض أكمل دراسة الدكتوراه في بلجيكا؛ ليتقدم مرة أخرى لعدة وظائف بباكستان، ولكن دون تسلم أية ردود لطلباته. في حين تقدمت إليه شركة FDO الهندسية الهولندية ليشغل لديهم وظيفة كبير خبراء المعادن فوافق على عرضهم
في ذلك الحين كانت شركة FDO الهندسية على صلة وثيقة بمنظمة اليورنكو- أكبر منظمة بحثية أوروبية والمدعمة من أمريكا وألمانيا وهولندا. كانت المنظمة متهمة أيامها بتخصيب اليورانيوم من خلال نظام آلات النابذة Centrifuge system. التفاصيل التقنية المستخدمة لنظام الألات النابذة تعد سرية لأنها قد تستخدم في تطوير القنبلة النووية. تعرض البرنامج لعدة مشاكل تتصل بسلوك المعدن استطاع الدكتور عبد القدير خان بجهده وعلمه التغلب عليها. ومنحته هذه التجربة مع نظام الآلات النابذة خبرة قيمة كانت هي الأساس الذي بنى عليه برنامج باكستان النووي فيما بعد.
في عام 1974 فجرت الهند قنبلتها النووية الأولى في حينها كان الدكتور عبد القدير خان قد وصل إلى مستقبل مهني ممتاز بكونه واحد من أكبر العلماء الذين عملوا في هذا المجال وأيضا كان له حق الامتياز في الدخول إلى أكثر المنشآت سرية في منظمة اليورنكو وكذلك إلى الوثائق الخاصة بتكنولوجيا الآلات النابذة.
على إثر تجارب الهند النووية أرسل الدكتور خان رسالة إلى رئيس وزراء باكستان "ذو الفقار علي بوتو" قائلا فيها: أنه حتى يتسنى لباكستان البقاء كدولة مستقلة فإن عليها إنشاء برنامج نوويّ".دعاه الرئيس لزيارة باكستان بعد تلك الرسالة بعشرة أيام ثم دعاه مره أخرى في عام 1975 وطلب منه عدم الرجوع لهولندا ليرأس برنامج باكستان النووي.
أبلغ الدكتور زوجته الهولندية بالخبر والذي كان سيعني تركها لهولندا إلى الأبد وافقت هي على قراره عندما علمت برغبته في تقديم شيء لبلده. تقول التحقيقات التابعة للسلطات الهولندية في ذلك الحين أنهم توصلوا إلى أن الدكتور عبد القدير خان قد نقل معلومات عالية السرية لوكالة الاستخبارات الباكستانية إلا أنهم لم يتوصلوا إلى أي دليل يثبت ان كان الدكتور قد أرسل منذ البداية إلى هولندا كجاسوس أو أنه هو الذي عرض ذلك على السلطات الباكستانية فيما بعد.
اختير عبد القدير خان رئيسا لبرنامج باكستان النووي عام 1975، وذلك بعد رسالة وجهها إلى رئيس الوزراء حينها ذو الفقار علي بوتو، أبدى فيها استعداده لمساعدة بلاده على اكتساب قدرات مماثلة لغريمتها الهند، التي فجرت قنبلتها النووية الأولى في 18 مايو/أيار 1974.
في منتصف عام 1976، انطلق البرنامج النووي الباكستاني، بعد أن أسس عبد القدير خان مختبر الأبحاث الهندسية في بلدة كاهوتا على بعد 50 كيلومترا جنوب شرق إسلام آباد، وبعد خمسة أعوام من تأسيسها سميت باسمه تثمينا لجهوده البحثية.
ساعدته سريته العالية وعلاقاته بالشركات الغربية الخاصة بميدان التخصيب، على نجاح مشروع إنشاء القنبلة النووية الباكستانية، وبناء آلات الطرد المركزي، وتطوير بحوثه. وامتدت أنشطته لتشمل برامج دفاعية عدة كتصنيع صواريخ، وتصميم أجهزة عسكرية، وإطلاق برامج تنموية.
في الفترة ما بين 18 و21 سبتمبر/أيلول 1986 حدث أول تفجير نووي باكستاني تحت سطح الأرض حسب صحيفة واشنطن بوست الأميركية، وقد أطلقت الصحافة على عبد القدير خان لقب "أبو القنبلة الذرية الإسلامية"، وامتلأت شوارع المدن الباكستانية بصوره، خاصة مع المجهودات الخيرية التي كان يقوم بها مثل إنشاء العديد من المدارس، وحملته لمكافحة الأمية.
وبسبب القنبلة النووية، تعرضت باكستان للعديد من الضغوط من الدول الغربية بدءا بالعقوبات الاقتصادية، ثم حظر التعامل التجاري فضلا عن الحملات الإعلامية التي استهدفت الشخصيات الباكستانية.
وقد توجت هذه الضغوط برفع قضية على عبد القدير خان عام 1983 في هولندا، وحكمت عليه محكمة أمستردام غيابيا بالسجن 4 سنوات بتهمة محاولة التجسس وسرقة وثائق نووية سرية، وهو أمر نفاه خان وفندته حكومة باكستان، إلى أن أسقطت عنه التهمة لاحقا.
في أكتوبر/تشرين الأول عام 2003 ضبط خفر السواحل الإيطالي سفينة شحن متجهة إلى ليبيا، تحوي معدات لا تستعمل إلا في صنع سلاح نووي، وأعلن أن وراءها شبكة دولية يقودها عبد القدير خان.
في ديسمبر/كانون الأول 2003، استجوب الأمن الباكستاني عبد القدير خان وبعض علماء الذرة الباكستانيين بشأن احتمال وجود علاقة بين البرنامجين النوويين في باكستان وإيران، وتسريب أسرار نووية إلى دول مثل ليبيا وكوريا الشمالية.
وهو ما دفع خان في 4 فبراير/شباط 2004 للظهور على شاشات التلفزيون ليعترف بتسريب هذه الأسرار لدول أخرى نافيا أي مسؤولية عن حكومة بلاده.
أثار اعترافه بتسريب أسرار نووية غضب الجيش الباكستاني، الأمر الذي دفع السلطات في اليوم التالي إلى وضعه قيد الإقامة الجبرية، وعدم السماح للوكالة الدولية للطاقة الذرية أو أي شخص بمقابلته، ومنعه من مغادرة باكستان خوفا من أن يتم القبض عليه واستجوابه.
في الخامس من يونيو/حزيران 2008 تراجع عن اعترافه، وقال إنه تعرض لضغوط دفعته إلى الاعتراف بما لم يقترفه، مكتفيا بالإشارة إلى أنه أرشد إيران وكوريا الشمالية إلى الشركات الأوروبية التي يمكن أن تمدهم بالتكنولوجيا اللازمة للمشاريع النووية.
بعدها بشهر أعلنت وزارة الخارجية الباكستانية أن ملفه أغلق وأنه لا حاجة لإعادة فتحه من جديد، ليفرج عنه في السادس من فبراير/شباط 2009 بعد 5 سنوات قضاها تحت الإقامة الجبرية.
وفي أغسطس/آب من العام نفسه أمرت المحكمة العليا في مدينة لاهور الباكستانية الحكومة برفع آخر الإجراءات العقابية المفروضة عليه، وانتقدت واشنطن القرار.
أبدت الولايات المتحدة شكوكا في أن عبد القدير خان ينشر مواد نووية، ما جعلها تفرض عام 2003 عقوبات على باكستان بسبب نقلها المزعوم لتكنولوجيا الصواريخ من كوريا الشمالية.
في فبراير/شباط 2008 أقنعت وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه) الحكومةَ السويسرية بتدمير مجموعة هائلة من الوثائق والمخططات الرقمية المصادرة من 3 من شركاء خان في سويسرا.
وتضمنت هذه المواد خارطة طريق للمشاركين في شبكة خان، وجردا للتكنولوجيا المتداولة في السوق السوداء، بما في ذلك تصاميم الأسلحة المتقدمة.
نشر عبد القدير كتابه "القنبلة الإسلامية" باللغة الإنجليزية، وذلك في عام 1981، كما نشر أزيد من 150 بحثا علميا في مجلات علمية عالمية عدة.
ينظر غالبية الباكستانيين إلى عبد القدير خان بصفته بطلا قوميا ساهم في تطوير العلوم والتكنولوجيا والأمن في بلاده. وقد منح وسام "هلال الامتياز" عام 1989، ثم منح عام 1996″نيشان الامتياز"، وهو أعلى وسام مدني تمنحه الدولة الباكستانية.
حصل على 13 ميدالية ذهبية من معاهد ومؤسسات مختلفة، وأعلنته جامعة "سير سييد" للهندسة والتكنولوجيا عام 2003 "خريجا متميزا"، اعترافا بـ"خدماته الجليلة ومساهماته القيمة في البحث العلمي وتطبيقاته العملية المفيدة للبشرية".
في 22 أغسطس/آب 2006 أعلنت السلطات الباكستانية إصابة عبد القدير خان بسرطان البروستاتا، وقد أجريت له في التاسع من سبتمبر/أيلول 2006 عملية لاستئصال الورم في مستشفى بمدينة كراتشي.
أدخل مرة أخرى إلى مستشفى في إسلام آباد يوم 5 مارس/آذار 2008 نتيجة إصابته بالتهاب، وخرج منها بعد خمسة أيام إثر تحسن وضعه الصحي.
توفي يوم 10 أكتوبر/تشرين الأول 2021 في أحد مستشفيات العاصمة إسلام آباد، بعدما أدخل إليها مصابا بفيروس كورونا.
بعد وفاته، غرد رئيس الوزراء الباكستاني وقتها عمران خان قائلا إنه كان "محبوبا من أمتنا".
متابعة أحلام رحومة
ليست هناك تعليقات