الرئيس الــ جوطابل... بقلم نصرالدين السويلمي
استقدم قيس سعيّد اليوم الخميس 15 أفريل 2021 رئيس المجلس الأعلى للقضاء يوسف بوزاخر، ومن أجل تبليغ رسائل إلى باردو استعمل سعيّد أكبر رتبة قضائيّة لتمرير الغمز واللمز، وخلال اللقاء دخل معه ضيفه في جدال حول المدّة الزمنيّة التي يحتاجها التقاضي في بعض القضايا، فردّ على الضيف بأنّ القضايا المتشعّبة تحتاج إلى ذلك، لكن سعيّد قاطعه ولم يقتنع بكلامه واستمر في تلقينه ثقافة القضاء.
دعونا من امتهان كلّ الشخصيّات واستعمالهم لتمرير رسائله، دعونا أيضا من الميكروفون الذي تمّ تركيبه في قميصه حتى يُسمع صوته وحده دون ضيفه، دعونا من كلّ السلوك الهمجي والفاقد لأبسط أبجديّات الاحترام لضيوفه، حتى أصحاب الاختصاص من القضاة والصحة والماليّة قاطعهم ووجّه لهم النصح في مجالاتهم التي لا يعرف منها غير الإسم.
نأتي الآن إلى الجدي! فقد خرج سعيّد من الترميز والتلميح والتعميم إلى مخاطبة المجلس الرئاسي في باردو، "الغنّوشي" والتهجّم عليه رأسا، وذلك تطورا نوعيّا يتماشى والهجوم الذي شنّه على الإسلاميّين "النّهضة" من جامع الزيتونة، وقال "إنّهم يتحدّثون عن الإفلاس، والإفلاس هو الإفلاس السياسي، والإفلاس يستعملونه للإبقاء على هذا الإفلاس السياسي الذي يعتبرونه غنيمة"، واتهم المجلس بأنّه يسعى إلى تركيز محكمة دستوريّة لتصفية الحسابات! وللتذكير فإنّ البرلمان مطالب بانتخاب ثلاثة أعضاء فقط من جملة 12 عضو، وأنّ الرئيس ومجلس القضاء هم المتحكّمون في نزاهة المحكمة من عدمه، لأنّهم سينتخبون الأغلبيّة الساحقة من أعضائها، من هنا يتبيّن أنّه يستحيل زحزحة هذا الانسداد لأنّه ورقة ابتزاز بالنسبة لسعيّد الذي يبدو نجح في تخريب علاقة تونس مع الكثير من الدول وبات يقطع الطريق أمام أي علاقات أو اتفاقيّات أو مساعدات خارجيّة. وهي خطّة ينتهجها وتعتمد على مراكمة الانسداد حتى الاستسلام أو الانفجار.
*لماذا ركّز على النّهضة "إسلاميّين" وعلى الغنّوشي "رئاسة المجلس" ؟
صحيح أنّ سعيّد يعادي الإسلاميّين وهي عداوة تكشّفت تباعا، لكن لا نعتقد أنّها عداوة مؤدلجة وإنّما عداوة عقد، فالرجل على بساطته يتأثّر كثيرا بالمرويّات وخاصّة تلك التي تجرّعها على يد حركة الشعب والثنائي عبّو، ثمّ هو وبعد عودته من مصر بات يتجنّب التعميم، وركّز على العقبة الكبرى التي تحول بينه وبين تفكيك البرلمان والمرور إلى شموليّة لجانيّة، يدرك سعيّد أنّه أمام حزب قوي يسند البرلمان وأمام شخصيّة وازنة رافقت التجربة وترفّقت بها على مدى 10 سنوات، ويعتقد أنّ الضغط على النّهضة خاصّة عبر السعي المحموم للسيطرة على القضاء ومن ثمّ إغراقها بالتهم الواهية، سيدفعها إلى البحث عن تسوية، يرفع بموجبها سعيّد حالة الضغط الموجّه والتحشيد ضدّها، وتسمح النّهضة بتمرير مشروع الرئيس عبر البرلمان! أو هكذا يعتقد، لا أعتقد أنّ سعيّد يهتم كثيرا بالاستئصال الراديكالي المؤدلج للإسلاميّين، ما لم تكن النّهضة عقبة أمامه، أمّا إذا استمرت النّهضة في عنادها وتزعّمت جبهة التصدّي لمشروع اللجان الشعبيّة فإنّ الرجل سيعمل على تدميرها بمعيّة شلال الاستئصال الذي عادة ما يتجمّع في مثل هذه المناسبات لعلّه يظفر بوليمة شهيّة تتمدّد فيها النّهضة بين خصومها ثمّ ينشب النهش.
في المحصلة لا تختلف شموليّة بن علي عن شموليّة سعيّد، ذاك أرادها ديكتاتوريّة قاحلة واستعمل الكلّ من أجل التخلّص من خصمه ومنافسه الأكبر ثمّ وبعد أن حقّق مراده أرسلهم إلى غياهب التجميد، واستعمل اليسار كمعول ثمّ أعاده إلى الإسطبل مع بقيّة الماعون، وها هو قيس سعيّد يعيد نفس اللعبة، يستقبل الوفود الداعمة لمعركته ضدّ الحزب الأوّل في البلاد، ثمّ لكلّ أجل كتاب، الفرق الوحيد أن يسار وكوكتال التسعينات كان يرغب في ديمقراطيّة تعقب القضاء على الإسلاميّين، أمّا يسار وكوكتال 2021 فيعتقد أنّ سعيّد حالة مرضيّة مفلسة سياسيّا، يمكن استعماله في مهمّة قذرة، ومن ثمّ التخلّص منه بسهولة، وفي قناعاتهم أنّ هذا الشخص لا يمكن أن يكون في أي من التصوّرات التي تعقب التخلّص من حزب حركة النّهضة.. ترى هل يدرك أنّهم يريدونه معولا جوطابل؟!
ليست هناك تعليقات