"مع أحلام " في حوار مع الصحفي والكاتب الفلسطيني احمد الصباهي
"مع أحلام "يحط الرحال في فلسطين الصمود في حوار شيق مع الصحفي والكاتب احمد الصباهي لنتعرف عايه عن قرب:
س1: إذا أردت أن تقدم نفسك للجمهور ،البيت ،النشأة كيف
تقدمها؟
أعرف نفسي ببساطة لاجىء فلسطيني في لبنان منذ عام 1948 .
سمعت أول مرة كلمة "فلسطيني" من والدتي عندما كنت فتى عام 1982 أثناء الاجتياح
الإسرائيلي للبنان واندلاع الحرب الأهلية اللبنانية، كنت أسكن مع أهلي في منطقة
سوق الغرب في قضاء عاليه، عندما قالت والدتي لوالدي، إذا دخلت الكتائب اللبنانية
منزلنا ( حزب يميني مسيحي كان متحالفاً مع الاحتلال الإسرائيلي آنذاك) عليك أن تتوارى لأنك فلسطيني . علمت كذلك أني
لاجىء فلسطيني من الهوية الزرقاء المكتوبة بخط اليد، الغير ممغنطة التي تصدرها
الدولة اللبنانية، والتي لا أعرف كيف أحملها في محفظتي لأنها ورقة كبيرة، عرفت
كذلك أني لاجىء لأني محروم من ممارسة عشرات المهن في لبنان .
ولدت في منزل يعشق فلسطين والعروبة، فوالدي كان ذات ميول
بعثية، عاشق لفلسطين، كان مقاتلاً في جيش التحرير الفلسطيني في سبعينيات القرن
الماضي في الأردن، وعمي كان بعثياً، رئيس تحرير جريدة الراية (مجلة حزب البعث
العربي الاشتراكي) . لم يمارس والدي لاحقاً العمل السياسي والحزبي، فقد كان
نجاراً، إلا أنه كان مثقفاً ولديه مكتبة كبيرة وحرص على تعليمنا، وكان يقتني الكتب
لي ولأختي، ومن هنا تولَّد حبِّي للمطالعة والثقافة وقراءة الكتب .
لا أستطيع القول أني تأثرت بفكر الأحزاب البعثية
واليسارية، لكن من خلال ما كان يحدثني والدي عنها، فقد نشأ لي احترام لها، ولم
ألتحق بأي من أحزابها . والدتي لبنانية الجنسية وهي ربَّة منزل، كانت شديدة الحرص
على تعليمنا أيضاً بالرغم من وضعنا المالي الصعب، وبالرغم من فشلي في بعض سنوات
الدراسة في مرحلة التعليم الثانوي، حتى أنه راودتني فكرة ترك الدراسة والتوجه
للتعليم المهني، إلا أن والدتي رفضت بشكل قاطع هذه الفكرة، حتى أكملت تعليمي
الجامعي، وإنِّي بعد الله سبحانه وتعالى، مدين لوالدتي بالذي وصلت إليه بكل تواضع.
س2:كيف توجهت للإعلام ،ولو تجمل لنا بداياتك ؟
كان دخولي للإعلام محض صدفة، وما كان يخطر ببالي على
الإطلاق أن أكون إعلامياً . كنت أعمل في جمعية خيرية حيث كنت مدرساً، فحصلت لدي
مشكلة مع رئيس الجمعية، وغادرت العمل، لأجد مدير التوظيف في "فضائية فلسطين
اليوم" يطلبني لإجراء مقابلة عمل، وهو بالمناسبة شخص أعرفه، تبيَّن لي لاحقاً
أن صديقي هشام حمدان، في الجمعية من غير أن يخبرني قام بالاتصال بشقيقة (مدير
التوظيف) ليجد لي عملاً بالفضائية، وإنِّي مدين له بعد الله، بهذا الجميل، لأنه
فتح باباً لم يخطر على بالي، وهنا أقف دائماً متأملاً قول الله تعالى " وما
تدري نفس ماذا تكسب غداً" من كان يظن أن واحداً مثلي يصبح إعلامياً .
عندما أجريت المقابلة عام 2009، كانت مع الإعلامي
الفلسطيني الأستاذ نافذ أبو حسنة رحمه الله تعالى، وبحكم حبِّي للقراء والمطالعة،
فقد أعجب ببعض أفكاري كما أظن، وطلب مني أن أجري تدريباً في القناة، لكي أقدم
برنامجا دينياً أو اجتماعياً. بدأت مشوار التدريب الإعلامي، وكان شاقاً في بعض
الأحيان، وعندما بدأت أقدم بعض البرامج الثقافية البسيطة في القناة، وكنا نبث بثاً
تجريبياً داخل القناة فقط، كنت أظن أن أدائي جيداً، وعندما تم تحويلي لقسم
الأخبار، بدأت أشعر بثقل المرحلة، وعندما افتتحنا القناة عام 2011، تزامن هذا مع
أحداث الربيع العربي، وهذا اقتضى أن تكون هناك تغطيات إخبارية مفتوحة يتخللها حوار
بملفات عربية، هنا بدأت المشكلة وكانت مرحلة صعبة جداً، لأن التغطية الإخبارية
كانت بحاجة لخبرات لم أكن أملكها بعد، وعرضني هذا الأمر لمشاكل في ضعف الأداء،
والاستبعاد في بعض الأحيان من التغطيات الإخبارية، لكن لم أفكر بترك العمل، اصريت
على الاستمرار . كانت مرحلة صعبة ومؤلمة جدا لكن خيار الاستسلام ما كان مطروحاً،
مما دفعني للتسجيل بالجامعة بتخصص علوم سياسية، وإني مدين كثيراً لهذه التجربة
الصعبة، لأنها دفعتني للكتابة أيضاً .
س3:لو تجمل لنا أستاذ أحمد الصباهي تجربتك في الإعلام ؟
وماهي طموحاتك المستقبلية في هذا المجال؟
بالرغم من مرور 16 عاماً على مزاولتي المهنة وهي بنظري
فترة متوسطة، إلا أنَّني أتعلم كل يوم شيئاً جديداً، خصوصاً بعد أحداث السابع من
أكتوبر، والتي أثرت بي بشكل استثنائي، فلقد عاصرت عدة حروب في قطاع غزة، إلا أن
هذه الحرب، أثرت بي نفسياً بشكل استثنائي، وبنفس الوقت وقعنا تحت ضغطها، ولم يكن
من السهل تغطية هكذا حدث عبر قراءة الأخبار ومحاورة الضيوف، إلا أننا نعتبر أنفسنا
جزءاً من المعركة، وبذلك استطعنا إكمال هذه المهمة التي تعلمت منها الكثير .
عماد هذه المهنة
هي الخبرة، ولا تأتي إلا عبر الصبر والتعلم من الأخطاء والتجربة، والثقافة
والمتابعة اليومية للأحداث السياسية، والثقة بالنفس وهي أيضاً بحاجة إلى مراكمة
التجربة، وأيضاً هذه المهنة بحاجة إلى شغف دائم، وهو ما يبدو لي صعباً في بعض
الأحيان، فالقناة التي أعمل فيها مختصة بالشأن الفلسطيني، وأخبار فلسطين في أغلبها
حزينة، ولا أكشف سراً أني في مرات كثيرة راودتني فكرة ترك العمل، بسبب مآسي القضية
الفلسطينية .
على المستوى الشخصي، أي إعلامي يطمح للعمل في مؤسسات
إعلامية كبيرة، إلا أنه بعد مرور 16 عاماُ على عملي في القناة، ، أشعر أن القناة
هي بيتي الثاني، وخصوصا أني فلسطيني وقضيتي فلسطين . كان طموحي دائماً أن يكون
الإعلام الفلسطيني مؤثراً، وهو ما حصل بعد أحداث السابع من أكتوبر، والذي أنظر
إليه بشقيه العنفواني والنضالي عبر تضحيات الشعب الفلسطيني وصبره، وشجاعة
المقاومين . وأعتقد أن السابع من أكتوبر شكل أكبر حدث إعلامي للقضية الفلسطينية
تجاوز الانتفاضة الأولى والثانية، وفضح الاحتلال وهدم سرديته، وأرجو أن أكون قد قدمت
ولو جزءاً بسيطاً من واجبي الإعلامي .
س4:لو تحدثنا عن علاقتك بالكتابة وكيف تطورت مع الزمن؟
أول تجربة كتابية لي حصلت عام 2014، كانت غزة تتعرض لحرب
صعبة، وحدثتكم أنَّي كنت في بداية تجربتي الإعلامية، أعاني من صعوبات في التغطية
الإخبارية، فتم استبعادي من التغطية الإعلامية من جديد، بالرغم من تغطيتي حروباً
سابقة، وهنا تعلمت أيضاً أن في العمل الإعلامي لا رحمة، إما أن تكون جيداً أم لا .
لكن هل لا أفعل شيئاً، وغزة تحت النار، قررت أن أكتب مقالاً، تحت عنوان "
إنجازات المقاومة وارتداداتها"، ونشرته في جريدة "العربي الجديد"
بعد أن أخبرني صديق أنها تنشر مقالات للبتدأين بالكتابة في "فضاء مفتوح"،
فقد صدرت حديثاً. وأذكر أنه عندما عرضت مقالي الأول على زميل منتج أخبار في العمل
استبعد نشره بحجة أنه طويل، إلا أني أرسلته للجريدة ونُشر، مما شكَّل له صدمة،
وهنا أيضاً التجربة تقول، ليس بالضرورة أن ما يقوله الناس دائماً صائباً، فما دمت
تعتقد أن ما تقوم به هو صائب لم لا تجرب ؟
زادت ثقتي بنفسي عندما تم نشر المقال، واستمريت في
الكتابة، في "العربي الجديد" إلى جريدة "الأخبار اللبنانية"، إلى
مواقع فلسطينية وعربية. وبحكم اهتمامي بالمطالعة والثقافة أجريت مطالعات كتب
لمراكز بحثية فلسطينية، ليتطور الأمر لاحقاً إلى إجراء مقابلات تلفزيونية وإذاعية
كضيف مختص بالشأن الفلسطيني .
وبعد مرور 11 عاما على كتابة المقالات، أشعر أنني ما زلت
أتلمس طريقي في الكتابة، فلم أجد أسلوبي الذي أُعرف به بعد، أو أعرِف به نفسي .
وقد غلب في الآونة الأخيرة على كتاباتي الطابع الأدبي، وأنِّي من عشاق الأدب، حتى
في المقال السياسي، خصوصاً بعد السابع من أكتوبر، وهذا من الانعكاسات النفسيىة .
أعشق الكتابة، وأشعر أنني لا أستطيع إلا أن أكتب، وهذه نعمة، إلا أنني ما زلت أشعر
أن طريقي طويل لما أبتغيه، وأطمح في يوم من الأيام أن أقوم بكتابة رواية .
كيف تقيم أستاذ أحمد أداء الإعلام التقليدي إن صحت
العبارة في ظل طغيان التكنولوجيا الحديثة وشبكات التواصل الإجتماعي؟
الإعلام التقليدي خف إشعاعه، وضعف حضوره لولا السابع من
أكتوبر الذي أعاد له رونقه من جديد. وإن التوجه المقبل هو للإعلام الرقمي. لن
يختفي الإعلام التقليدي بسرعة، لكنه حتماً إلى اضمحلال مع مرور السنوات والتقدم
التكنولوجي. لقد أضحت منصات التواصل الاجتماعي ليس فقط الوسيلة الأسرع لوصول الخبر
ونشر والمعلومات، ، بل مصدراً للمعلومات لا يمكن الاستهانة به، وهي تنافس الإعلام
التقليدي بضراوة وحققت إنجازاً كبيراً .
لقد استطعنا
كفلسطينيين في غزة أن نوصل صوتنا للعالم، ولم يتحقق ذلك إلا عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بالرغم من التقييد والحظر
الذي يتعرض له المضمون الفلسطيني . واستطاع الإعلام الرقمي أن يوصل أصوات الناس
المهمشة، وفي لبنان تحديداً استطعنا عبر منصة "مخيمات لبنان بوست" وأشرف
عليها (مدير تحرير، وهي منصة مختصة بالشأن الفلسطيني في لبنان وخصوصاً مخيمات
اللاجئين الفلسطينيين) أن ننقل صوت اللاجىء إلى العالم، وهذا لم يكن ليحصل لولا
وسائل التواصل، التي غطت التظاهرات الداعمة لغزة في العالم العربي والغربي، ولو
ترك الأمر للإعلام التقليدي لم نشاهد شيئاً.
وهنا أوجه
التحية لكل الناشطين العرب والأجانب على جهودهم وتفاعلهم مع المضمون الإعلامي
الفلسطيني الذي نتلقاه جميعاً من غزة، واستطاعوا نقل أحداث غزة إلى الخارج . ومن
هنا يجب الاهتمام بالإعلام الرقمي ووسائل التواصل الاجتماعي، وفي قناتنا
"فلسطين اليوم" بذلنا جهودأ كبيرة لملاحقة هذا التطور بالرغم من
محاربتنا وتقييد إعلامنا .
س6:بمن تأثر الأستاذ أحمد صباهي على مستوى الإعلام وعلى
مستوى الكتابة؟
في بداية عملي تأثرت بزملاء وزميلات العمل الذين كانو
أكثر خبرة مني، إلا أنني كنت معجباً بأداء وصوت مذيع الأخبار علي المسمار رحمه
الله في قناة "المنار اللبنانية"، والإعلامي في قناة "الجزيرة"
محمد كريشان، وكنت أشاهدهما وأحاول التعلم منهما .
أما في الكتابة لا أستطيع الادعاء أنني تأثرت بأسلوب أحد
ما، فما زلت كما قلت سابقاً أتلمس طريقي، لكن أظن أن كتابات مصطفى العقّاد،
والأديب على الطنطاوي، أثرت بي، فقد قرأت لهم كثيراً وغيرهم من الأدباء الكبار مثل
نجيب محفوظ، وطه حسين، وأمين معلوف، ورضوى عاشور، أظن أن الطابع الأدبي في كتاباتي
يعود لتلك القراءات، ذلك أنه في عدة مقالات اسشتهد بالأدب العربي، أو الأجنبي،
وهذا لا ينفي أنه في بعض مقالاتي أكون مباشراً وجذرياً وأقول الأشياء كما هي .
وبالمناسبة
تعجبني مقالات الدكتور عزمي بشارة، ومقالات الإعلامي سامي كليب عندما كان يكتب في
جريدة السفير .
س7:بعد مسيرة حافلة ومازالت مستمرة وتجارب متنوعة لمن
يوجه احمد الشكر ولمن يوجه العتب؟
أوجه الشكر لله سبحانه وتعالى أولاً، لأنه اختار لي هذا
الطريق، الذي من خلاله أتمكن من تأدية ولو جزء بسيط من مساهمتنا كلاجئين فلسطينيين
في الخارج لدعم قضيتنا وتسليط الضوء عليها، كما أوجه الشكر لوالدي ووالدتي اللذين
دعماني وقدما لي النصح، ولزوجتي وأولادي لأنَّي كثيراً ما أنشغل، كذلك لكل شخص قدم
لي النصح والمشورة، من زملاء ومدراء .
لكن هناك شكر خاص لقناة فلسطين اليوم، بإداراتها
المتعاقبة، التي أعطتني الفرصة للعمل في الإعلام والاستمرار، حتى أصبحت بيتي
الثاني.
واذا كنت أودُّ أن أوجه عتباً فهو يبدأ من الحكومات
العربية المتخاذلة، وصولاً لأي مواطن عربي يسكت عن جريمة غزة، فضلاً عن الإعلام
العربي الموجه الذي وللأسف يتماهى مع أجندة الاحتلال عبر الإساءة للمقاومة
الفلسطينية.
الكلمة الأخيرة لك.....
ليست هناك تعليقات